-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
من خلال مشاركتي في عضوية عدد من حلقات العمل واللجان الخاصة وتقديم الإستشارات لأعضاء في الكونجرس الأمريكي كنت أتفاءل دائماً بأن النظرة السلبية للمجتمع الأمريكي نحو الإسلام قابلة للتبديل والتغيير. فالموقف السلبي لكثير من الأمريكيين إلى الإسلام نابع بالدرجة الأولى من جهلهم به. أستشهد هنا بمقولة ستيفن بروثيرو (رئيس قسم الأديان بجامعة بوسطن): «قد تكون الولايات المتحدة واحدة من أكثر أمم الأرض الدينية، ولكن الأمريكيين للأسف لا يعرفون إلا القليل عن أديانهم ، أو أديان الآخرين». فالمجتمع الأمريكي يفتقر للفهم والمعرفة بالثقافة الإسلامية والدين الإسلامي مما قلل قدرته على التواصل مع المسلمين، وهو ما فتح المجال أمام خصومهم لتأجيج العداء ضد الإسلام وتشويه صورتهم.
كما اقترنت قلة المعرفة بالدين الإسلامي بخوف المجتمع الأمريكي من الفكر المتطرف الذي حد من قدرة هذا المجتمع على التواصل مع الأكثرية الساحقة المعتدلة والمسالمة من المسلمين، وقلص قدرة المسؤولين في الحكومة الأمريكية على التفرقة بين هذه الأغلبية الساحقة والقلة القليلة المتأثرة بالفكر المتطرف. كما شارك الإعلام الغربي في توسيع الفجوة بين المجتمع الأمريكي والإسلام بسبب تجاهله لصوت العلماء المسلمين وفتاواهم المناهضة للإرهاب والفكر المتطرف، وغيرها من أصوات الاعتدال في العالم الإسلامي والتي ببساطة لا تسمع ولاتحظى بالتغطية الإعلامية التي يحظى بها أصحاب الفكر الديني والسياسي واليميني المتطرف. ما يدعو للتفاؤل هو أن موقف الرأي العام الأمريكي السلبي من الإسلام ليس نابعا من عقيدة راسخة أو إيمان خالص بالعداء للإسلام. فقد ثبت من خلال ممارسة لغة الحوار والعقل والرد على الفكر الزائف بالمنطق السليم قابلية المواطن الأمريكي لتغيير موقفه من الإسلام إذا زادت معرفته به، وبالتالي بناء جذور الثقة بينه وبين المسلمين. فمن خلال الحوار برزت إرهاصات عودة الوعي للمواطن الأمريكي بصورة الإسلام الصحيحة واعتبار الدين الإسلامي دين سلام ومحبة ورحمة ينبذ العنف والتطرف. وهذه حقائق أدركها نخبة من الساسة والمفكرين الأمريكيين، وهو ما أشار إليه السناتور الجمهوري جورج فوينوفيش عندما قال: «الواقع أننا لا نفهم بعضنا ... الكثير منا لا يفهم ما هو الدين الإسلامي ... وأعتقد أننا سنكون في حال أفضل إذا ما فهمنا الدين الإسلامي بصورة أفضل».

فهذه العبارات وغيرها تدل على أن هناك فرصا حقيقية لنشر الوعي بالدين الإسلامي تكمن في بذل الجهد للتعريف به والترويج للفكر الإسلامي الصحيح المعتدل، والتصدي للفكر المتطرف، وتنشيط الحوار من خلال المؤتمرات والفعاليات الحوارية، والاندماج داخل المجتمعات الأمريكية مع الحفاظ على الهوية والمعتقد. وليس من المفارقة أن ترى الأصوات الأكثر دعوة لنشر الوعي بالإسلام والمسلمين هي أصوات النخبة من الأساتذة والسياسيين البارزين في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث رأى هؤلاء أن الإسلام هو وحده القادر على التصدي للإرهاب والفكر المتطرف. فقد دعا هؤلاء إلى تعزيز التفاهم بين المسؤولين والمجتمعات الإسلامية على أسس متينه نابعة من فهم لثقافة المسلمين والإسلام، ومعالجة أسباب العزلة والتهميش، وزيادة المشاركة المدنية للمجتمعات الإسلامية، وتشجيعها على الإنخراط في الحياة السياسية، واعتبار المسلمين الأمريكيين شركاء في مواجهة الفكر المتطرف والمحافظة على أمن وسلامة المجتمع. كما وجه هؤلاء الدعوة للأجهزة الأمنية الالتزام بمبادئ العدالة والحريات المدنية المكفولة في الدستورالأمريكي دون تمييز وذلك للحيلولة دون الوقوع في شرك التطرف الذي وقع فيه أفراد من الجالية الإسلامية في أوروبا.
afansary@yahoo.com